فصل: خلع السلطان على الأمير طوخ مازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


ثم في يوم السبت سادس صفر قدم إلى القاهرة الأمراء المجردون إلى الشام بمن معهم من المماليك السلطانية فخلع السلطان على الأمير قراخجا الحسني الأمير آخور وعلى الأمير تمرباي التمربغاوي رأس نوبة النوب وعلى جميع من بقي من رفقتهما من أمراء الطبلخانات والعشرات وسكن قراخجا بباب السلسلة‏.‏

وفي هذه الأيام غضب السلطان على عبد الباسط ونقله في يوم الخميس حادي عشر صفر من المقعد الذي على باب الهجرة المطل على الحوش من قلعة الجبل إلى البرج عند باب القلعة‏.‏

وكان سبب ذلك أنه من يوم حبسه السلطان لم يهنه بضرب ولا بعقوبة والناس تتردد إليه وهو مطالبه بألف ألف دينار‏.‏

وقد تكلم بينه وبين السلطان المقر الكمالي محمد بن البارزي صهر السلطان وكاتب سره وراجع السلطان في أمره مرارًا عديدة وعبد الباسط يورد للسلطان من أثمان ما يباع له حتى وقف طلب السلطان بعد عناية ابن البارزي به على أربعمائة ألف دينار وأبى السلطان أن يضع عنه منها شيئًا وعبد الباسط يريد أن يحط عنه من ذلك شيئًا آخر‏.‏

وترامى على ابن البارزي المذكور واعترف بالتقصير في حقه في الدولة الأشرفية فلم يحوجه ابن البارزي لذلك بل شمر ساعدًا طويلًا لمساعدته حتى صار أمره إلى هنا بغير عقوبة ولا إهانة‏.‏

فلما كان يوم الخميس المذكور تكلم مع السلطان ابن البارزي وجماعة كبيرة من أعيان الدولة في أمر عبد الباسط وسألوه الحطيطة من الأربعمائة ألف دينار فغضب السلطان من ذلك وأمر به فأخرج إلى البرج على حالة غير مرضية ومضى من المقعد ماشيًا إلى البرج المذكور وسجنوه به‏.‏

ورسم السلطان له أن يدفع للمرسمين عليه لما كان بالمقعد وهم ثمانية من الخاضكية مبلغ ألفي دينار ومائتي دينار ودفعها لهم‏.‏

وبينما هو في ذلك دخل عليه الوالي وأمره أن يقلع جميع ما عليه من الثياب فإنه نقل للسلطان أن معه الاسم الأعظم أو أنه يسحر السلطان فإنه كان كلما أراد عقوبته صرفه الله عنه فخلع جميع ما كان عليه من الثياب والعمامة ومضى بها الوالي وبما في أصابع يديه من الخواتم فوجد في عمامته قطعة أديم ذكر أنها من نعل النبي صلى الله عليه وسلم ثم وجدت في عمامته أوراق فيها أدعية ونحوها وأخذ المقر الكمالي في القيام معه حتى كان من أمره ما سنذكره‏.‏

ثم في يوم السبت ثالث عشر صفر قدم الأمير إينال العلائي الناصري المعزول عن نيابة صفد وقد استقر من جملة مقدمي الألوف بالديار المصرية وقدم معه الأمير طوغان العثماني نائب القدس والأمير طوخ الأبو بكري المؤيدي أتابك غزة - وقد صار من جملة مقدمي الألوف بدمشق على إقطاع مغلباي الجقمقي بعد القبض عليه - وخلع السلطان على الجميع واركبوا ثم في رابع عشر صفر رسم السلطان بإحضار الأمراء المسجونين وغيرهم بثغر الإسكندرية إلى مدينة بلبيس ليحملوا إلى الحبوس بالبلاد الشامية وندب الأمير أسنبغا الطياري أحد أمراء الألوف بالديار المصرية لإحضارهم وهم‏:‏ الأمير جانم أخو الأشرف الأمير آخور وإينال الأبو بكري الأشرفي وعلى باي شاد الشراب خاناه الأشرفي وأزبك السيفي قاني باي رأس نوبة المعروف بجحا وجكم الخازندار خال العزيز وجرباش وجانبك قلق سيز‏.‏

ومن الخاصكية‏:‏ تنم الساقي وبيبرس الساقي ويشبك الدوادار وأزبك البواب وبايزير خال العزيز وجميع هؤلاء أشرفية وتنبك الإينالي المؤيدي الفيسي وبيرم خجا الناصري أمير مشوي وجماعة أخر لم يحضرني الآن أسماؤهم ولم يبق بسجن الإسكندرية سوى الأمير قراجا الأشرفي أحد مقدمي الألوف كان وخرج الأمير أسنبغا من يومه‏.‏

وفي هذا اليوم سافر الأمير قاني باي البهلوان نائب صفد إلى محل كفالته بها بعدما أنعم السلطان عليه بمال جزيل‏.‏

وسافر الطياري إلى الإسكندرية وأخذ المذكورين وعاد بهم إلى بلبيس في ثاني عشرين صفر والجميع بالحديد‏.‏

غير أن الأمير أسنبغا تلطف بهم وأحسن في خطابهم ومسيرهم إلى الغاية بخلاف من تولى تسفيرهم من بلييس إلى محل سجنهم فأفرج السلطان منهم عن بيرم خجا أمير مشوي ونفي إلى طرابلس وأخرج السلطان من البرج بقلعة الجبل اثنين أضافهما إلى هؤلاء ورسم أن يتوجه منهم سبعة نفر إلى قلعة صفد ليسجنوا بها وهم إينال الأشرفي أحد مقدمي الألوف وعلي باي المشد الأشرفي وأزبك خحا وجرباش مشد سيدي وتنبك الفيسي وحزمان وقاني باي اليوسفي ومسفر هؤلاء الأمير سمام الحسني الناصري أحد أمراء العشرات وأن يتوجه ثلاثة منهم إلى قلعة الصبيبة ليسجنوا بها وهم‏:‏ الأمير جانم أمير آخور وبايزير خال العزيز ويشبك بشق ومسفرهم هم ومن يمضي إلى حبس المرقب الآتي ذكرهم‏:‏ إينال أخو قشتم المؤيدي أحد أمراء العشرات‏.‏

والمتوجهون إلى حبس المرقب خمسة وهم‏:‏ جانبك قلق سيز وتنم الساقي وجكم خال العزيز ويشبك الفقيه وأزبك البواب والجميع أشرفية وساروا بهم في حالة غير مرضية‏.‏

ثم في سابع عشرين صفر قدم الأمير طوخ مازي نائب غزة فخلع السلطان عليه باستمراره وأكرمه‏.‏

وفي تاسع عشرينه نقل زين الدين عبد الباسط من محبسه بالبرج إلى موضع يشرف على باب القلعة بسفارة ابن البارزي وأخته خوند زوجة السلطان ووعده السلطان بخير بعدما كان وعده بالعقوبة‏.‏

ثم في يوم الاثنين سادس شهر ربيع الأول

 خلع السلطان على الأمير طوخ مازي

نائب غزة خلعة ثم في ليلة السبت حادي عشرة أخرج الملك العزيز يوسف من محبسه بالقلعة وأركب فرسًا ومعه جماعة كبيرة ومضوا به حتى أنزل في الحراقة وساروا به حتى حبس بثغر الإسكندرية إلى يومنا هذا‏.‏

ومسفره جانبك القرماني أحد أمراء العشرات‏.‏

ورسم أن يصرف له من مال أوقاف العزيز ألف دينار‏.‏

وحمل مع الملك العزيز ثلاث جوار لخدمته ورتب له في كل يوم ألف درهم من أوقاف أبيه‏.‏

وكان لخروجه يوم مهول من بكاء جواري أبيه وأمه وتجمعن بعد خروجه بالصحراء في تربة أمه خوند جلبان وعملن عزاء كيوم مات الأشرف وبكين وأبكين‏.‏

ثم في حادي عشر شهر ربيع الأول المذكور استقر شمس الدين أبو النصر نصر الله المعروف بالوزة ناظر الإسطبل السلطاني بعد عزل زين الدين يحيى الأشقر قريب ابن أبي الفرج‏.‏

قلت‏:‏ وأي فخر أو سابق رئاسة لمن يعزل بهذا الوزة عن وظيفته‏!‏‏.‏

ثم في يوم الأحد تاسع عشر شهر ربيع الأول سارت تجريدة في النيل ثغر رشيد‏.‏

وقد ورد الخبر بأن أربعة شوان للفرنج قاربت رشيد وأخذت أبقارًا وغيرها فأخرج السلطان لذلك الأمير أسنبغا الطياري والأمير شادبك الجكمي وهما من أمراء الألوف بالديار المصرية وحمل السلطان لكل منهما خمسمائة دينار‏.‏

وعندما نزلًا إلى المركب في بحر النيل احترقت مركب الطيارة مدفع نفط رموا به فعاد عليهم ناره وأحرق شيئًا مما كان معهم وأصاب بعضهم وفي أواخر شهر ربيع الأول هذا رسم السلطان بتوجه زين الدين عبد الباسط إلى الحجاز بأهله وعياله وسافر في يوم الثلاثاء ثاني عشر شهر ربيع الآخر بعد خلع السلطان عليه في يوم سفره وعلى معتقه جانبك الأستادار ونزل من القلعة مخيمه بالريدانية بعد أن حمل إلى الخزانة السلطانية مائتي ألف دينار وخمسين دينار ذهبًا عينًا سوى ما أخذ له من الخيول والجمال وسور تحف جليلة قدمها للسلطان وغيره ثم رحل عبد الباسط من الريدانية يريد الحجاز في خامس عشره ونزل ببركة الحاج وأقام بها أيضًا إلى ليلة ثامن عشره‏.‏

ثم في خامس عشرين شهر ربيع الآخر قدم الأمير تمراز المؤيدي أحد حجاب دمشق بسيف الأمير آقبغا التمرازي وقد مات فجاءة في يوم السبت سادس عشره‏.‏

فرسم السلطان للأمير جلبان نائب حلب باستقراره في نيابة دمشق وأن ينتقل الأمير قاني باي الحمزاوي نائب طرابلس إلى نيابة حلب وأن ينتقل الأمير برسباي الناصري حاجب حجاب دمشق إلى نيابة طرابلس ويستقر عوضه في حجوبية دمشق سودون النوروزي حاجب حجاب حلب وينتقل حاجب حماة الأمير سودون المؤيدي إلى حجوبية حجاب حلب وأن يستقر الأمير جمال الدين يوسف بن قلدر نائب خرت برت في نيابة ملطية بعد عزل الأمير خليل بن شاهين الشيخي عنها ويستقر خليل أحد أمراء الألوف بدمشق عوضًا عن الأمير ألطنبغا الشريفي ويستقر الشريفي أتابك حلب عوضًا عن قطج من تمراز وأن يحضر قطج المذكور إلى القاهرة إلى أن ينحل له إقطاع وجهزت تقاليد الجميع ومناشيرهم في سابع عشرينه ورسم للأمير دولات باي المحمودي الساقي المؤيدي الدوادار الثاني أن يكون مسفر جلبان نائب الشام وأن يكون الأمير أرنبغا اليونسي الناصري مسفرقاني باي الحمزاوي نائب حلب وأن يكون سودون المحمودي المؤيدي المعروف بأتمكجي مسفر برسباي نائب طرابلس وخلع على الجميع في يوم تاسع عشرين شهر ربيع الآخر‏.‏

ثم في يوم السبت خامس عشر جمادى الأولى استقر الأمير مازي الظاهري برقوق أحد أمراء دمشق في نيابة الكرك عوضًا عن آقبغا التركماني الناصري بحكم مسك آقبغا المذكور وحبسه بسجن الكرك‏.‏

وفي عشرينه خلع السلطان على الأمير أسنبغا الطياري أحد مقدمي الألوف باستقراره في نيابة الإسكندرية عوضًا عن يلبغا البهائي الظاهري برقوق بحكم وفاته زيادة على ما بيده من تقدمة ألف بمصر‏.‏

وطلب السلطان الأمير قراجا الأشرفي من سجن الإسكندرية فحضر في يوم الاثنين ثاني جمادى الآخرة فخلع عليه السلطان باستقراره أتابك حلب وبطل أمر الشريفي واستمر على إقطاعه بدمشق‏.‏

ثم في يوم الخميس ثاني عشر جمادى الآخرة عمل السلطان الموكب بالقصر وأحضر رسول القان معين الدين شاه رخ بن تيمورلنك فحضر الرسول وناول الكتاب الذي على يده وإذا فيه أنه بلغه موت الملك الأشرف وجلوس السلطان على تخت الملك فأراد أن يتحقق علم ذلك فأرسل هذا الكتاب فخلع السلطان عليه وأكرمه وأنزله بمكانه الذي كان أنزل فيه فإنه كان وصل في أول يوم من جمادى الأولى ورسم السلطان بكتابة جوابه‏.‏

ثم في يوم الاثنين رابع شهر رجب أدير المحمل على العادة وزاد السلطان في عدة الصبيان الذين يلعبون بالرمح الصغار عدة كبيرة ولم يقع في أياه المحمل بحمد الله ما ينكرمن الشناعات التي كانت تقع من المماليك الأشرفية‏.‏

وفي هذا اليوم أيضًا خلع السلطان على الأمير طوخ الأبو بكري المؤيدي أحد أمراء الألوف بدمشق وكان قبل أتابك غزة باستقراره في نيابة غزة بعد موت الأمير طوخ مازي الناصري فولي طوخ عوضًا عن طوخ وأنعم بتقدمة طوخ بدمشق على الأمير تمراز المؤيدي الحاجب الثاني بدمشق‏.‏

ثم في يوم السبت حادي عشر شعبان استقر القاضي بهاء الدين محمد بن حجي في نظر جيش دمشق عوضًا عن سراج الدين عمر بن السفاح ورسم لابن السفاح بنظر جيش حلب‏.‏

ثم في يوم الثلاثاء ثامن عشر شوال خرج أمير حاج المحمل الأمير شادبك الجكمي أحد مقدمي ثم في يوم الثلاثاء خامس عشرين شوال قدم الأمير ناصر الدين بك واسمه محمد بن دلغادر نائب أبلستين إلى الديار المصرية بعدما تلقاه المطبخ السلطاني وجهزت له الإقامات في طول طريقه ثم سارت عدة من أعيان الدولة إلى لقائه ومعهم الخيول والخلع وله ولأعيان من معه من أولاده وأصحابه‏.‏

فلما دخل إلى القاهرة وطلع إلى القلعة ومثل بين يدي السلطان وقبل الأرض خلع عليه السلطان خلعة باستمراره على نيابة أبلستين على عادته وانزل في بيت بالقرب من القلعة وبالغ السلطان في الاحتفال بأمره والاعتناء به وشمله بالإنعامات الكثيرة‏.‏

وكان ناصر الدين بك المذكور له سنين كثيرة لم يدخل تحت طاعة سلطان وإن دخل فلم يطأ بساطه فلما سمع بسلطنة الملك الظاهر هذا وبحسن سيرته قدم وأقدم معه ابنته التي كانت تحت جانبك الصوفي وعدة من نسائه فعقد السلطان عقده على ابنته المذكورة التي كانت تحت جانبك الصوفي ولها من جانبك المذكور بنت لها من العمر نحو ثلاث سنين بعد أن حمل إليها المهر ألف دينار وعدة كثيرة من الشقق الحرير وغيرها‏.‏

وفي هذا الشهر أراد السلطان أن تكون تصرفاته في أمر جدة على مقتضى فتاوى أهل العلم لعلمه أن شاه رخ بن تيمور كان يعيب على الملك الأشرف برسباي لأخذه بجدة من التجار عشور أموالهم وأن ذلك من المكس المحرم فكتب بعض الفقهاء سؤالًا على غرض السلطان يتضمن أن التجار المذكورين كانوا يردون إلى بندر عدن من بلاد اليمن فيظلمون بأخذ أكثر أموالهم وأنهم رغبوا في القدوم إلى بندر جحة ليحتموا بالسلطان وسألوا أن يدفعوا عشر أموالهم فهل يجوز أخذ ذلك منهم فإن السلطان يحتاج إلى صرف مال كثير في عسكر يبعثه إلى مكة في كل سنة‏.‏

فكتب قضاة القضاة الأربعة بجواز أخذه وصرفه في المصالح‏.‏

فأنكر الشيخ تقي الدين على القضاة في كتابتهم على الفتاوى المذكورة وإنطلق لسانه بما شاء الله أن يقوله في حقهم - انتهى‏.‏

ثم في يوم الخميس ثامن عشر ذي القعدة قدم الأمير إينال الششماني الناصري أتابك دمشق والأمير ألطنبغا الشريفي الناصري أحد مقدمي الألوف بدمشق وطلعا إلى القلعة وخلع السلطان عليهما وأكرمهما‏.‏

وفيها أيضًا خلع السلطان على الأمير ناصر الدين بك بن دلغادر خلعة السفر وسافر يوم الاثنين تاسع عشرين ذي القعدة بعد أن بلغت النفقة عليه من الإنعامات ثلاثين ألف دينار‏.‏

ثم في يوم الأربعاء سابع ذي الحجة نودي بمنع المعاملة بالدراهم الأشرفية من الفضة وأن تكون المعاملة بالدراهم الظاهرية الجقمقية وهدد من خالف ذلك فاضطرب الناس لتوقف أحوالهم‏.‏

فنودي في آخر النهار بأن الفضة الأشرفية تدفع للصيارف بسعرها وهو كل درهم بعشرين درهمًا من الفلوس وأن تكون الدراهم الظاهرية كل درهم بأربعة وعشرين درهمًا وجعلت عددًا لا وزنًا‏.‏

فمنها ما هو نصف درهم عنه اثنا عشر درهمًا ومنها ما هو ربع درهم فيصرف بستة دراهم على أن كل دينار من الأشرفية بمائتين وخمسة وثمانين درهمًا من الفلوس‏.‏

ثم في يوم الثلاثاء خلع السلطان على غرس الدين خليل بن أحمد بن علي السخاوي أحد حواشي السلطان أيام إمرته باستقراره في نظر القدس والخليل والسخاوي هذا أصله من عوام القدس السوقة وقدم القاهرة وخدم بعض التجار وترقى وركب الحمار ثم ركب بعد مدة طويلة بغلة بنصف رحل على عادة العوام ورأيته أنا على تلك الهيئة ثم انتهى إلى خدمة السلطان وهو يوم ذاك أحد مقدمي الألوف واختص به حتى تحدث في إقطاعه ودام في خدمته إلى أن تسلطن وعظم أمره عند من هو دونه إلى أن ولي في هذا اليوم نظر القدس والخليل‏.‏

ثم في يوم الخميس ثامن المحرم من سنة أربع وأربعين خلع السلطان على الأمير قيز طوغان العلائي أحد أمراء العشرات وأمير آخور ثاني باستقراره أستادارًا عوضًا عن محمد بن أبي الفرج بحكم عزله والقبض عليه وحبسه بالقلعة إلى يوم الأحد حادي عشره فتسلمه الوزير كريم الدين ابن كاتب المناخ‏.‏

ثم في يوم السبت رابع عشرين المحرم خلع السلطان على زين الدين يحيى الأشقر قريب ابن أبي الفرج باستقراره في نظر ديوان المفرد عوضًا عن عبد العظيم بن صدقة بحكم مسكه ونقل ابن أبي الفرج من تسليم الوزير وسلم هو وعبد العظيم للأمير قيز طوغان الأستادار فأغرى زين الدين قيز طوغان بابن أبي الفرج وعبد العظيم حتى أخذ ابن أبي الفرج وعاقبه وأفحش في عقوبته في الملأ من الناس من غير احتشام ولا تجمل بل طرحه على الأرض وضربه ضربًا مبرحًا ووقع له معه أمور إلى أن أطلق وأعيد إلى نقابة الجيش بعد أن نفي ثم أعيد ومن يومئذ ظهر اسم زين الدين وعرف في الدولة وكان هذا مبدأ ترقيه حسبما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

وفي هذه الأيام وقع الاهتمام بتجهيز تجريدة في البحر لغزو الفرنج وكتب السلطان عدة من المماليك السلطانية وعليهم الأمير تغري برمش الزردكاش والسيفي يونس الأمير آخور وسافروا من ساحل بولاق في يوم الاثنين تاسع شهر ربيع الأول‏.‏

وكان جملة ما انحدر من ساحل بولاق خمسة عشر غرابًا فيها المماليك السلطانية والمطوعة‏.‏

وسبب هذه التجريدة كثرة عيث الفرنج في البحر وأخذها مراكب التجار وهذه أول بعثة بعثها الملك الظاهر من الغزاة‏.‏

ثم في يوم السبت سادس عشرين شهر ربيع الآخر قدم إلى القاهرة رسل القان معين الدين شاه رخ بن تيمورلنك ملك الشرق وقد زينت القاهرة لقدومهم وخرج المقام الناصري محمد ابن السلطان إلى لقائهم واجتمع الناس لرؤيتهم فكان لدخولهم يوم مشهود لم يعهد بمثله لقدوم رسل في الدول المتقدمة وأنزلوا بدار أعدت لهم إلى يوم الاثنين ثامن عشرينه فتوجهوا من الدار المذكورة إلى القلعة بعد أن شقوا القاهرة وهي مزينة بأحسن زينة والشموع وغيرها تشعل وقد اجتمع عالم عظيم لرؤيتهم وأوقفت العساكر من تحت القلعة إلى باب القصر في وقت الخدمة من باكر النهار المذكور‏.‏

فلما مثل الرسل بين يدي السلطان قرىء كتاب شاه رخ فكان يتضمن السلام والتهنئة بجلوس السلطان على تخت الملك ثم قدمت هديته وهي‏:‏ مائة فص فيروز وإحدى وثمانون قطعة من حرير وعدة ثياب وفرو ومسك وثلاثون بختيًا من الجمال وغير ذلك مما يبلغ قيمته خمسة آلاف دينار‏.‏

وأعيد الرسل إلى منازلهم وأجري عليهم الرواتب الهائلة في كل يوم‏.‏

ثم قلعت الزينة في يوم الثلاثاء سلخه‏.‏

وكان الناس تفننوا في زينة القاهرة ونصبوا بها القلاع وفي ظنهم أنها تتمادى أيامًا فانقضى أمرها بسرعة‏.‏

ثم في يوم الجمعة عاشر جمادى الأولى ورد الخبر على السلطان بنصرة الغزاة المجردين إلى قتال الفرنج‏.‏

ثم في يوم الاثنين عشرين جمادى الأولى خلع السلطان على القاضي بدر الدين أبي المحاسن محمد بن ناصر الدين محمد ابن الشيخ شرف الدين عبد المنعم البغدادي أحد نواب الحكم الحنابلة باستقراره قاضي قضاة الحنابلة بالديار المصرية بعد موت شيخ الإسلام محب الدين أحمد بن نصر الله البغدادي‏.‏

ثم في يوم الثلاثاء حادي عشرين جمادى الأولى المذكور قدم الغزاة‏.‏

وكان من خبرهم أنهم انحدروا في النيل إلى دمياط ثم ركبوا منه البحر وساروا إلى جزيرة قبرس فقام لهم متملكها بالإقامات وساروا إلى العلايا فأمدهم صاحبها بغرابين فيهما المقاتلة ومضوا إلى رودس وقد استعد أهلها لقتالهم فكانت بينهم محاربة طول يومهم لم ينتصف المسلمون فيها وقتل منهم اثنا عشر من المماليك وجرح كثير وقتل من الفرنج أيضًا جماعة كثيرة‏.‏

فلما خلص المسلمون من قتالهم بعد جهد مروا بقرية من قرى رودس فقتلوا وأسروا ونهبوا ما فيها وعادوا إلى دمياط وأعلموا السلطان بأنه لم يكن لهم طاقة بأهل رودس‏.‏

ثم في يوم الثلاثاء ثامن عشرين جمادى الأولى المذكور خلع على خواجا كلال رسول شاه رخ خلعة السفر وقد اعتني بها عناية لم يتقدم بمثلها لرسول في زماننا هذا وهي حرير مخمل بوجهين‏:‏ أحمد وأخضر وطرز زركش فيه خمسمائة مثقال من ذهب وأركب فرسًا بسرج ذهب وكنبوش زركش في كل منهما خمسمائة دينار وجهزت صحبته هدية ما بين ثياب حرير سكندري وسرج وكنبوش ذهب وسيوف مسقطة بذهب وغير ذلك مما تبلغ قيمته سبعة آلاف دينار هذا بعد أن بلغت النفقة من السلطان على الرسول المذكور ورفقته نحو خمسة عشر ألف دينار سوى الهدية المذكورة‏.‏

ثم في يوم السبت ثاني جمادى الآخرة وقع بين القاضي حميد الدين الحنفي وبين شهاب الدين أحمد بن إسماعيل بن عثمان الكوراني الشافعي مخاصمة وآل أمرهما إلى الوقوف بين يدي السلطان فغضب السلطان لحميد الدين وضرب الشهاب الكوراني وأهانه ورسم بنفيه إلى دمشق ثم إلى البلاد المشرقية فخرج على أقبح وجه‏.‏

وكان هذا الكوراني قدم القاهرة قبيل سنة أربعين وثمانمائة في فاقة عظيمة من الفقر والإفلاس واتصل بباب المقر الكمالي ابن البارزي فوالاه بالإحسان على عادة ترفقه بأهل العلم ونوه بذكره حتى عرفه الناس وتردد إلى الأكابر وصار له وظائف ومرتبات فلم يحفظ لسانه لطيش كان فيه حتى وقع له ما حكيناه‏.‏

ثم في يوم الخميس رابع عشر جمادى الآخرة قدم الأمير جلبان نائب الشأم إلى القاهرة ونزل السلطان إلى لقائه بمطعم الطير خارج القاهرة وهو أول ركبة ركبها بعد سلطنته بالموكب وخلع السلطان على جلبان المذكور خلعة الاستمرار وعاد السلطان إلى القلعة وهو في خدمته‏.‏

ثم في يوم الاثنين عاشر شهر رجب أنعم السلطان بإقطاع الأمير ألطنبغا المرقبي المؤيدي‏.‏

وتقدمته على الأمير طوخ من تمراز الناصري الرأس نوبة الثاني بعد موته وأنعم بإقطاع طوخ وهو إمرة أربعين على قاني باي الجاركسي شاد الشراب خاناه‏.‏

ثم في يوم الاثنين أول شعبان أضيف نظر دار الضرب للمقر الجمالي ناظر الخواص الشريف كما كانت العادة القديمة وذلك بعد موت جوهر القنقبائي الزمام والخازندار‏.‏

ثم في يوم السبت سادسه خلع السلطان علي الطواشي هلال الرومي الظاهري برقوق شاد الحوش السلطاني باستقراره زمامًا عوضًا عن جوهر المقدم ذكره على مال كثير بذله في ذلك‏.‏

ثم في يوم الأحد سابعه خلع علي الزيني عبد الرحمن بن علم الدين داؤد بن الكويز باستقراره أستادار الذخيرة وخلع علي الطواشي الحبشي جوهر التمرازي الجمدار باستقراره خازندارًا كلاهما عوضًا عن جوهر المذكور‏.‏

ثم في يوم السبت عشرين شعبان ركب السلطان من قلعة الجبل بغير قماش الموكب لكن بجميع أمرائه وخاصكيته ونزل في أبهة عظيمة وسار على خليج الزعفران خارج القاهرة ونزل هناك بمخيمه ومدت له أسمطة جليلة وأنواع كثيرة من الحلوى والفواكه‏.‏

ثم ركب بعد صلاة الظهر وعاد إلى القلعة بعد أن دخل من باب النصر وشق القاهرة وابتهج الناس به كثيرًا‏.‏

وهذه أول مرة شق فيها القاهرة بعد سلطنته‏.‏

وكان هذا الموكب جميعه بغير قماش الموكب ولم يكن ذلك في سالف الأعصار وأول من فعل ذلك وترخص في النزول من القلعة بغير كلفتاه ولا قماش الملك الناصر فرج ثم اقتدى به الملك المؤيد شيخ ثم من جاء بعدهما‏.‏

وفي هذا الشهر تكلم زين الدين يحيى الأشقر ناظر الديوان المفرد مع الأمير قيزطوغان العلائي الأستادار بأنه يكلم السلطان في إخراج جميع الرزق الأحباسية والجيشية التي بالجيزة وضواحي القاهرة وحسن له ذلك حتى تكلم قيزطوغان المذكور في ذلك مع السلطان وألح عليه‏.‏

ومال السلطان لإخراج جميع الرزق المذكورة إلى أن كلمه في ذلك جماعة من الأعيان ورجعوه عن هذه الفعلة القبيحة فاستقر الحال على أنه يجبى من الرزق المذكورة في كل سنة عن كل فدان مائة درهم من الفلوس فجبيت‏.‏

واستمرت إلى يومنا هذا في صحيفة زين الدين المذكور لأنه هو الدال عليها والدال على الخير كفاعله وكذلك الشر‏.‏

ثم في يوم الثلاثاء أول شهر رمضان ورد الخبر على السلطان بالقبض على الأمير قنصوه النوروزي وكان له من يوم وقعة الجكمي في اختفاء فرسم بسجنه بقلعة دمشق‏.‏

وقانصوه هذا من أعيان الأمراء المشهورين بالشجاعة وحسن الرمي بالنشاب غير أنه من كبار المخاميل الفلاسة المديونين‏.‏

ثم في يوم السبت ثاني عشر شهر رمضان خلع السلطان على القاضي معين الدين عبد اللطيف ابن القاضي شرف الدين أبي بكر سبط العجمي باستقراره في نيابة كتابة السر بعد وفاة أبيه‏.‏

ثم في يوم الاثنين تاسع عشر شوال برز أمير حاج المحمل الأمير تمرباي رأس نوبة النوب بالمحمل وأمير الركب الأول سودون الإينالي المؤيدي المعروف بقراقاس أمير عشرة‏.‏

وحج في هذه السنة ثلاثة من أمراء الألوف‏:‏ تمرباي المقدم ذكره والأمير تمراز القرمشي أمير سلاح والأمير طوخ من تمراز الناصري وسبعة أمراء أخر ما بين عشرات وطبلخانات‏.‏

وتوجه تمراز أمير سلاح بالجميع ركبًا وحده قبل الركب الأول كما سافر في السنة الماضية الأمير جرباش الكريمي قاشق أمير مجلس وصحبته ابنته زوجة السلطان الملك الظاهر‏.‏

ثم في يوم السبت سابع ذي القعدة قدم إلى القاهرة الأمير قاني باي الحمزاوي نائب حلب باستدعاء فركب السلطان إلى ملاقاته بمطعم الطير وخلع عليه باستمراره على كفالته‏.‏

وفي أواخر هذا الشهر طرد السلطان أيتمش الخضري الظاهري أحد الأمراء البطالة من مجلسه ومنعه من الاجتماع به وهذه ثاني مرة أهانه السلطان وطرده‏.‏

وأما ما وقع لأيتمش المذكور قبل ذلك في دولة الأشرف برسباي من البهدلة والنفي فكثير وهو مع ذلك لا ينقطع عن الترداد للأمراء وأرباب الدولة بوجه أقوى من الحجر‏.‏

وفي هذه السنة أعني سنة أربع وأربعين وثمانمائة جدد بالقاهرة وظواهرها عدة جوامع منها جامع الصالح طلائع بن رزيك خارج باب زويلة قام بتجديده رجل من الباعة يقال له عبد الوهاب العيني ومنها مشهد السيدة رقية قريبًا من المشهد النفيسي جدده الشريف بدر الدين حسين بن أبي بكر الحسيني نقيب الأشراف وجدد أيضًا جامع الفاكهيين بالقاهرة وجامع الفخر بخط سويقة الموفق بالقرب من بولاق وجدد أيضًا جامع الصارم أيضًا بالقرب من بولاق وأنشأ أيضًا جوهر المنجكي نائب مقدم المماليك جامعًا بالرميلة تجاه مصلاة المؤمني وعمارته بالفقيري بحسب الحال وأنشأ تغري بردي المؤذي البكلمشي الدوادار جامعًا بخط الصليبية على الشارع الأعظم‏.‏

قلت‏:‏ الناس على دين مليكهم وهو أنه لما كانت الملوك السالفة تهوى النزه والطرب عمرت في أيامهم بولاق وبركة الرطلي وغيرهما من الأماكن وقدم إلى القاهرة كل أستاذ صاحب آلة من المطربين وأمثالهم من المغاني والملاهي إلى أن تسلطن الملك الظاهر جقمق وسار في سلطنته على قدم هائل من العبادة والعفة عن المنكرات والفروج وأخذ في مقت من يتعاطى المسكرات من أمرائه وأرباب دولته فعند ذلك تاب أكثرهم وتصولح وتزهد وصار كل أحد منهم يتقرب إلى خاطره بنوع من أنواع المعروف فمنهم من صار يكثر من الحج ومنهم من تاب وأقلع عما كان فيه ومنهم من بنى المساجد والجوامع ولم يبق في دولته ممن استمر على ما كان عليه إلا جماعة يسيرة ومع هذا كان أحدهم إذا فعل شيئًا من ذلك فعله سرًا مع تخوف ورعب زائد يرجفه في تلك الحالة صفير الصافر وخفق الرياح فلله دره من ملك في عفته وعبادته وكرمه‏.‏

ثم في يوم السبت ثالث شهر ربيع الأول من سنة خمس وأربعين وثمانمائة خلع السلطان على يار علي بن نصر الله الخراساني العجمي الطويل باستقراره في حسبة القاهرة مضافًا لما بيديه من حسبة مصر القديمة عوضًا عن قاضي القضاة بدر الدين محمود العيني الحنفي بحكم عزله‏.‏

ثم في يوم الخميس ثامن شهر ربيع الأول المذكور كانت مبايعة الخليفة أمير المؤمنين سليمان ابن الخليفة المتوكل على الله أبي عبد الله محمد بالخلافة بعد وفاة أخيه المعتضد داؤد بعهد منه إليه ولقب بالمستكفي بالله أبي الربيع سليمان‏.‏